“نزاهة” ولعنة الأموال وفساد أبله

د. إبراهيم بن جلال فضلون

 

(السرسري والسربوت) كلمتان قبيحتان، لذم الأشخاص، فاستخدمها أي شخص ضد أي شخص، خاصة ببلاد الرافدين لقامت الدنيا ولم تقعد، تصل للذبح ضد من يقول هذه الكلمتين ضد أي شخص، لكن السرسري (هو مراقب الأسعار والأوزان قديماً في الأسواق).. بعض التجار أغروهم ورشوهم بالمال ورجع الغش والفساد، فتم تعيين السربوت (لمراقبة عمل السرسري).. الذي أغراه التجار أيضاً بالمال وأشياء أخرى، فكان يتقاسم الرشاوى مع السرسري، وربما كانَ اختفاءُ الفاسدين وهروبهم، فكرةَ معهودة يرونها من حيث لا يرونهم في زمن العولمة، وانكماش الزمان والمكان مجتمعين ليُعطيا بثلاثية الإنسان إحساساً بقُرب المكان ودفئ المال وسُلطانه، فخلق حالة الإمبراطورية الفاسدة المستشرية هنا وهناك بكافة مفاصل الدول، فهم نُخبة سلطوية من الأفراد والجماعات ذات العلاقات المترابطة وفق نمط مصالحي أو قرابي، يوطدون بها مراكزهم المجتمعية والوظيفية، معتقدين أنهم في مأمن من أعين أجهزة حكوماتهم، التي ضربت بيد من حديد أنظمتهم المتآكلة أمام قوة وصرامة القيادة الحكيمة ورؤيتها الحالمة، التي نجحت في قيادة كبري اقتصادات العالم بمجموعة العشرين، في زمن استثنائي مكن العالم من عبور جائحة كورونا التي عزلت دولاً وأسقطت اقتصاديات وكشفت مفاصل الدول وامكانياتها، مبرزاً أهم وصمة فيها، ألا وهو الدور المُجتمعي في مكافحة الفساد كتعبير وطني عن تصحيح متطلبات الوجود الفردي والجمعي وإنتاج دولة الحق والقانون، الذي أدرجه العالم والمجتمع الدولي يومه التاسع من شهر ديسمبر يوماً دولياً لمكافحة الفساد، واجتثاث ذلك الداءٌ الذي لا سبيل للتغلب عليه؛ والحد منه؛ ونبذه وتجفيف منابعه؛ إلا من خلال تعاون المجتمع الدولي، فالمملكة لا تقبل فساداً على أحد ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أيا كان حصانة في قضايا الفساد.

لقد صار الفساد مُدرجاً في أجندة كافة المُنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، متخذاً حمايته من قلة تستغل ضعف الدولة وغياب آلياتها وأنظمتها القانونية والدستورية، لتعرقل حياة الناس وأداء الحكومات وقدراتها المحدودة تنموياً، وهو ما ليس له أيضاً سبيلاً للإصلاح إلا عبر الشراكة المُجتمعية الداخلية لكشف تلك الغُرف المغلقة والتي فاح منها رائحتها العفنة، فقد سقطت شبكات فساد وما زال زيولها تسقط تباعاً، ولنأخذ السعودية مثالاً: بوضعها خططاً وجه بها الملك سلمان وولي العهد _حفظه الله_ ليكون همهما الأول، أن تكون المملكة في مقدمة الدول في مكافحة الفساد وأقل نسب فساد في العالم، وهي ما اتسقت معها رؤية المملكة (2030)، التي جاءت لتؤكد أن الشفافية ومحاربة الفساد منهج رئيسي لها للعمل على تعزيز مبادئ المحاسبة والمساءلة في القطاعين العام والخاص، وتطبيق مبادئ مكافحة الفساد والتي اطلقت عليها الأمم المتحدة ‘مبادئ الرياض’، وعلى عدم التهاون أو التسامح مطلقا مــع الفســاد بــكل مســتوياته التي تجعل كل الجرائم ممكنة ومربحة، ولعل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تجمع كل دول العالم تقريباً، وتوفر منصة التعاون عبر الحدود، وتعزيز إجراءات المنع وإنفاد القانون واستعادة الأصول المسروقة.

إن كشـف مؤشـر مـدركات الفسـاد لعـام 2019 كان صادمـًا مـن الـدول التـي تسعى لمعالجـة الفسـاد لديها، وأشار الكم الهائل لمقـدار الأمـوال الطائلـة التـي يتـم انفاقهـا علـى السياسـة، وأهمية تعزيـز عمليـات صُنـع القـرار السياسـي كونهمـا ضروريـان للحـد مـن الفسـاد، حيث أسندت درجات دون ال 50لأكثر من ثلثي الدول في مؤشر مُدركات الفساد لهذا العام، وبمعدل 43درجة فقط، ليُصنف المؤشر 180دولة ومنطقة وفقا ُ لمستويات الفساد المدركة في القطاع العام، وحسب الخبراء ورجال الأعمال. وهو الذي يستخدم مقياس من صفر(فساد) إلى ،100 (خالية كليا من الفساد)، لتكون الصدارة للمؤشر في دولة (نيوزيلندا والدنمارك 87 درجة، فنلندا 86 وسنغافورة والسويد وسويسرا 85 درجة)، في حين تأتي البلدان الأدنى على المؤشر (الصومال وجنوب السودان وسوريا بدرجات 9و 12و13)، ثم (اليمن 15وفنزويلا والسودان وغينيا الاستوائية وأفغانستان درجة16)، فما بالنا بعام الوباء الاستثنائي.

 

فهل وجود تلك الهيئات الكثيرة في عالمنا المُعاصر ومجتمعاتنا، أمثال السرسرية (عفواً) النزاهة والسرابيت (عفواً) مكاتب التفتيش العام والهتلية (عفواً) الشفافية وغيرها؟!… ولعل مُجتمعاتنا ليست هي فراغ الشبابيك، وما تُطل عليه من وهم، أيقظه الواقع المؤلم بقيادة حكيمة كالسعودية، ووعي أنظمتها التي لم تترك (كائن من كان)!، والشكر بعد الله لقائد الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد -حفظهما الله- المفعل الحقيقي لتلك الجُملة، وكأنها دواء لداء لا يقتصر على شعب أو بلد بعينه؛ بل هو داءٌ لا سبيل للتغلب عليه؛ والحد منه؛ ونبذه وتجفيف منابعه؛ إلا من خلال تعاون المجتمع الدولي، فالمملكة لا تقبل فساداً على أحد ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أيا كان حصانة في قضايا الفساد، لعلاج أزمة اختفاء الداخل والخارج التي نُعاني منها، لوقفة قبضاتها وقلوبها من حديد.

- Advertisement -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط